السبت، 16 فبراير 2013

مفهوم الإيمان بين السلف و المرجئة
الشيخ العلامة عبد الله الجربوع حفظه الله
السلام عليكم و رحمة الله
الشيخ : و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته .
السائل : الشيخ عبد الله كيف حالكم ؟
الشيخ : بخير الله يحفظكم .
السائل : شيخنا ، أسئلة لو سمحتم بارك الله فيكم .
الشيخ : تفضل يا أخي ، حياك الله .
السائل : ما هو تعريف الإيمان عند السلف و عند المرجئة ؟

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . و الصلاة و السلام على نبينا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين ، أما بعد ؛ فالذي استقر عليه تعريف الإيمان عند السلف الصالح أنه : ( قول باللسان ، و اعتقاد بالجنان ، و عمل بالأركان ، يزيد بالطاعة ، و ينقص بالعصيان ) .
و يقصدون بـ(قول اللسان) : أي كل الطاعات التي تقال باللسان ؛ فهي إيمان ، و فعلها إيمان ، و هي من شعب الإيمان .
و يقصدون بـ(اعتقاد بالجنان) : كل الطاعات التي تكون بالقلب ؛ فهي إيمان ، و فعلها إيمان ، و هي من شعب الإيمان .
ويقصدون بـ(عمل بالأركان) : كل الطاعات التي تكون بالعمل الظاهر ؛ فهي إيمان ، و فعلها من شعب الإيمان .
فعندهم أن الإيمان حقيقة مركبة - كما قال ابن القيم - يشمل ما عرّف به النبي صلى الله عليه و سلم الإيمان بأنه بضع و سبعون شعبة ، هذه الشعب منها شعب قولية و منها شعب قلبية و منها شعب عملية . هذا هو الإيمان الذي شرعه الله للناس و أراده منهم و أرسل الرسل لدعوة الناس إليه . فعندهم أن الإيمان أبعاض و أجزاء و شعب ، يزيد و ينقص ، يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، و يزول اعتباره ؛ يعني ينتقض ، ينتقض أصل الإيمان إذا جاء بناقض من نواقض الإيمان . فالإيمان يزيد و ينقض و يزول . يعني يزول اعتباره ، يخرج الإنسان من الإيمان إذا عمل بنواقض الإسلام .

أما عند المرجئة : فالمرجئة ليسوا بفرقة واحدة ، و إنما المرجئة فرق كثيرة يعني ظاهرة ، ليست فرقة . و إنما لكل فرقة تعريف للإيمان، فهم بالجملة :
- من سموا بمرجئة الفقهاء : و هم الإمام حماد بن أبي سليمان و الإمام أبو حنيفة النعمان رحمهم الله ، و من قال بقولهما من أهل الكوفة و غيرهم ، فهؤلاء من أئمة السلف ، و علماء على منهج السلف الصالح . قالوا إن الإيمان : ( قول باللسان و اعتقاد بالجنان ) . و يقصدون بـ(قول اللسان ) النطق بالشهادتين ، و (اعتقاد بالجنان) ، الأصل أنهم قالوا : ( تصديق بالجنان ) ، يعني يصدق بمعنى الشهادتين ، و هو اعتقاد التوحيد و ما دلت عليه من أصول . هذا هو الإيمان عندهم . و عندهم الإيمان لا يزيد و لا ينقص ، و أنه شيء واحد . و أخرجوا العمل من مسمى الإيمان ، فلا يسمى إيمانا و لا يسمى إسلاما ، العمل عندهم لا يسمى إسلاما .

- أما المرجئة الآخرون و هم المتكلمون : فزعموا أن الإيمان هو التصديق بلا إله إلا الله ، بمعنى الشهادتين فقط . و أخرجوا قول اللسان وهو النطق بالشهادتين ، و أخرجوا أيضا أعمال الجوارح من حقيقة الإيمان .

- و الجهم بن صفوان قال : الإيمان هو المعرفة بالله ، و الكفر هو الجهل بالله تماما .
- و هناك المرجئة الكرامية ، قالوا : الإيمان هو قول اللسان فقط ، دون تصديق القلب .

- أما المرجئة المعاصرون : فإن منهم من نصر قول الكرامية ، فقال : الإيمان هو التصديق فقط باللسان ، و أضافوا إليه الإرادة ؛ أن يريد الدخول في الإسلام . قالوا : فبهذا يكون مسلما و لو كان على أي ضلال كان ! و لا يكفر إلا إذا نوى الكفر و قصد الكفر ، و قصد الخروج من الإسلام ..[ هنا انقطع الاتصال].
فكما تقدم في الجواب السابق أن الإرجاء أفكارٌ و اعتقادات تكون عند بعض الفرق، و تتوزع على بعض الفرق ، و قد يوجد الإرجاء عند بعض المعتزلة ، و عند بعض من ينتسبون إلى منهج أهل السنة و منهج السلف ، لأن من وُجد عنده هذه العقائد و المشابَهة لأولئك في بعض أقوالهم فإنه يكون قد تأثر بهم . و المرجئة المعاصرون - و بعضهم ينتسب إلى المنهج السلفي - وقعوا في بعض أقوال المرجئة المتقدمين ، و أضافوا إليها بعض الإرجاء الذي عند بعض المعتزلة كالجاحظ ، و زادوا عليها أمورا لم يقلها أبدا أيٌّ من أهل البدع المتقدمين .
أما بالنسبة للمقولات التي كرروها و اعتقدوها و روجوها و قالوا بها في هذا الوقت - و نحن لا نقصد أن كل واحد بعينه قال كلّ مقولة سنذكرها عنهم إنما هذه موجودة عند بعضهم ، بعضهم قد يقول كذا و بعضهم كذا لأن عندهم تخبط ، هم قد يتفقون في مقولة ثم يريدون أن يستدلوا لها أو يؤصلوا لها ، فلا يجدون إلا مقولات المرجئة المتقدمين أو المبتدعة المتقدمين . - فمن مقولات المرجئة المعاصرين :

- أولا : قولهم أن تارك العمل بالكلية لا يكفر ، و أنه إذا كان مقرا بالعمل ، بالفرائض ، المقصود الفرائض كما قال الإمام سفيان بن عينة و الإمام إسحاق ، قالوا : إن من ترك الفرائض ، أي الواجبات كليا و اكتفى بالإقرار القلبي و اللسان ، عنده الإقرار القلبي و اللساني أنه يكون مسلما و لا يكفر بذلك . و هذا شهد أئمة السلف - كمن ذكرنا من قبل و غيرهم و شيخ الإسلام ابن تيمية - أن هذا هو القول الذي غلظ السلف النكير على من قال به ، و هو قول غلاة المرجئة .

- أشد منه قول الكرامية ، و قد صرح به كثير منهم في هذا الزمان ؛ و هو أن من قال لا إله إلا الله قولا فإنه يكون مسلما بذلك ، و لو لم يعمل بها ، فقالوا : إنه يكون مسلما بمجرد قولها و عنده الإسلام بيقين ، و لا يكفر حتى و لو لم يعتقدها ، يعني لم يأت عنده الكفر بالطاغوت و التزام التوحيد و العمل به . زاد بعض المعاصرين أنه حتى و لو تلبس بضدها ، طبعا هذه زيادة عندهم لم يقلها الكرامية ، الكرامية قالوا : من قال لا إله إلا الله فإنه يكون مسلما و لم يقولوا : و إن تلبس بضدها من الشرك الصريح . فهذا أيضا من المقولات التي زادوا بها على الكرامية .

- أيضا من مقولات المرجئة المتكلمين و هم بعض الأشاعرة و الماتريدية ، قالوا : إن هذه الأعمال كالسجود للصنم و الاستهزاء بالله عز وجل و إهانة المصحف ، هذه الأعمال يقولون : لا نقول إنها كفر بذاتها ، بمعنى أنها لا تنقض أصل الإسلام بذاتها ، و هذا قال به المعاصرون و هو عند الأقدمين ، لكن المعاصرين زادوا ؛ يعني التزموا أنهم مسلمون في أحكام الدنيا ، أما المرجئة المتقدمون ، مرجئة المتكلمين ، فإنه قال شيخ الإسلام عنهم أنهم عندما قيل لهم : هذه الأمور و الأفعال ورد فيها الإجماع و النصوص صريحة ، و الإجماع على أن من فعلها كافر . فقال الأولون : إننا نقول هو كافر في أحكام الدنيا لكن قد يبقى معه إيمان ينفعه يوم القيامة ، هذا قول المتقدمين . المتأخرون ( المرجئة المعاصرون ) قال بعضهم : إننا نقول هو مسلم و نلتزم إسلامه في الدنيا ، و أنه يبقى معه إيمان أيضا ينفعه يوم القيامة . فهذا مما زادوه أيضا .

- و أيضا مما وقع فيه المعاصرون : و هو أنهم قالوا : أن من قال لا إله إلا الله و لم يعرف الله ، أو كان على أي ضلال كان ، و لو كان جاهلا بربه فإنه إذا كان يقول لا إله إلا الله و يريد الإسلام و يظن أنه بذلك يكون مسلما فإنه لا يخرج من الإسلام ، و على هذا قالوا : أن ابن عربي و ابن الفارض و نحوهما لا يكفرون ، و نلتزم إسلامهم لأن عندهم جهل و عنده شبهات ، و لا يعرفون التوحيد ، فهم إذا معذورون بجهلهم فلا نكفرهم . هذا طبعا أشد إرجاء من إرجاء الجهم بن صفوان و من نصر قوله من المتكلمين . لأن الجهم يقول : الإيمان هو المعرفة بالله ، و الكفر هو الجهل بالله . و عنده يكون هؤلاء جهالا بالله ليسوا بمسلمين أي كفار ، و لكن عند هؤلاء المتأخرين قالوا بهذا القول الشنيع الذي هو أشد قبحا و شناعة من إرجاء الجهم بن صفوان . و هؤلاء بنوا على هذه المقولات أن من يعبد القبور و يعبد الأصنام و هو يظهر الإسلام و يقول لا إله إلا الله و لو وقع في كل عمل مكفر و ضلال فإنهم يقولون : لا نكفره حتى تقام عليه الحجة ، فالتزموا إسلام عباد القبور و عباد الأصنام و هؤلاء بدعتُهم : زعمُهم أن العذر بالجهل يقتضي ذلك .
و لا شك أن العذر بالجهل أصل ثابت عند أهل السنة و الجماعة ، لكن العذر بالجهل لا يعني أن عباد الطاغوت مسلمون ، أبدا بل هم حكمهم حكم أهل الفترة ، يُعتقد كفرهم في أحكام الدنيا ، و في الآخرة أمرهم إلى الله . و هؤلاء كما رأينا وافقوا المرجئة المتقدمين ، و زادوا عليهم ، و وافقوا أيضا بدعة الجاحظ لأنه أطلق القول بالعذر بالجهل إطلاقا لكل أحد و في كل مسألة . لكن الجاحظ أحسن منهم حالا ، حيث أنه قال : إن من وقع في الكفر المنافي لأصل الإسلام كالشرك الأكبر فإنه يقال : إنه كافر في أحكام الدنيا و لكن قد يعذر في أحكام الآخرة . أما هؤلاء فزادوا عليه أن قالوا : إنهم يحكم بإسلامهم . هؤلاء وافقوا شبهات داود بن جرجيس النقشبندي العراقي أشهر المناوئين لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب . و هذه المقولات التي يقولونها و الاستدلالات التي يستدلون بها من كلام شيخ الإسلام و كلام بعض أهل العلم هي موجودة بعينها في شبهات و تلبيسات داود بن جرجيس . و ما لم يذكره ابن جرجيس فهو على طَرْقها و نحوها و على منوالها . فهم سائرون على هذه الأصول و مقتدون بهؤلاء المبتدعة و ينصرون أقوالهم و ينهجون منهجهم في الاستدلال بالمتشابهات و بتر كلام أهل العلم و إنزاله على غير محله .و أجلبوا بخيلهم ، و أكثروا التلبيس .
نسأل الله أن يهدينا و إياهم ، و أن يعصم المسلمين من مقولاتهم الضالة .
و الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين .

السائل : أحسن الله إليكم شيخنا ، بارك الله فيكم ، شيخنا قول شبابة بن سوار المرجئ الخبيث الذي قال فيه الأئمة ما قالوا ، شيخنا : هؤلاء المعاصرون ربما يقولون أشد من قوله ، أليس كذلك ؟

الشيخ : نعم ، شبابة قوله قريب من قول الكرامية ، فإنه حصر أصل الإيمان في القول دون الاعتقاد ، لكنه لا شك لم يقل : ووقع فيما يضاده . فإن جميع الفرق ما عدا الكرامية أجمعوا على أنه لابد من التصديق بلا إله إلا الله ، يعني وجود عقد القلب على ذلك . و جميع الفرق بما فيهم الكرامية لم يقل أحد منهم أنه يكون مسلما و لو أظهر ما يضاد عقده و ما تلفظ به و ما قاله . لم يقل بهذا أحد أبدا ، حتى - كما قلنا - الجاحظ و أي أحد ، لم يقل : إنه يكون مسلما إذا أظهر ما يضاد ما نطق به و ما أهلّ به و هو الشهادتان . لكن هؤلاء لاشك زادوا على كل المرجئة ، كل المبتدعة المتقدمون عندما التزموا إسلامه في أحكام الدنيا و أنه يُحكم بإسلام عابد الطاغوت ، هذا لم يقل به أحد من أهل الإسلام أبدا ، و ممن ينتسب إلى الإسلام أبدا ، إلا القبورية و الرافضة ، و ابن جرجيس الذي هو قبوري .هؤلاء الآن تأثروا بشبهاته .
نسأل الله السلامة و العافية .اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق