السبت، 19 سبتمبر 2015

لاعذر بالجهل في الشرك الأكبر

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    قال الله تعالى ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ، رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً )البينة 1-2
    ____

    الشاهد من الدليل أن الله سماهم مشركين قبل أن تأتيهم الحجة والبينة قبل الرسالة ,وقبل إقامة الحجة عليهم ,كما يقول شيخ الإسلام بن تيمية ,والحجة هى الرسول صلى الله عليه وسلم ,وتقوم على الخلق بالبلوغ والسماع,فسماهم الله وحكم عليهم بالكفر والشرك قبل الرسالة وقبل أن تبلغهم الحجة ويأتيهم
    رسول , وهو اسم لازم لهم ووصف مطابق لحالهم,فكل من تلبس بالشرك يسمى مشركا قولا واحدا لا اختلاف فيه ...
    .

    جاء في تفسير البغوي - (ج 8 / ص 493)

    _________________________

    { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى ،
    { وَالْمُشْرِكِينَ } وهم عبدة الأوثان، { مُنْفَكِّين } [منتهين عن كفرهم وشركهم، وقال أهل اللغة]: زائلين منفصلين، يقال: فككت الشيء فانفكَّ، أي: انفصل، { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } لفظه مستقبل ومعناه الماضي، أي: حتى أتتهم البينة، الحجة الواضحة، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، أتاهم بالقرآن فبيَّن لهم [ضلالاتهم] وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان. فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة).ا هـ

    .
    جاء في بحر العلوم للسمرقندي - (ج 4 / ص 427)
    _______________________________

    (قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } يعني : اليهود والنصارى { والمشركين } يعني : عبدة الأوثان { مُنفَكّينَ } يعني : غير منتهين عن كفرهم ، وعن قولهم الخبيث { حتى تَأْتِيَهُمُ البينة } يعني : حتى أتاهم البيان ، فإذا جاءهم البيان ، فريق منهم انتهوا وأسلموا ، وفريق ثبتوا على كفرهم . ويقال : لم يزل الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، حتى وجب في الحكمة علينا في هذا الحال ، إرسال الرسول إليهم . ويقال : معناه لم يكونوا منتهين عن الكفر ، حتى أتاهم الرسول والكتاب ، فلما آتاهم الكتاب والرسول ، تابوا ورجعوا عن كفرهم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، والذين أسلموا من مشركي العرب . وقال قتادة : { البينة } أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقال القتبي : { مُنفَكّينَ } أي : زائلين يقال : لا أنفك من كذا أي : لا أزول ). ا هـ
    .

    يقول بن تيمية رحمه الله في الجزء السابع من الفتاوي ص325
    _____________________________________

    (قالوا ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر لأن أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان يجهلها كافرا وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر)اهـ
    فأين هذا من قول أصحاب الجهل كعذر فالجهل بالتوحيد قبل الرسالة وبعدها شرك وكفر بالله تعالي وهو مفهوم من الآيتين
    قوله تعالي "(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) [التوبة/6]
    وقوله تعالي (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) البينة1
    ففي الأولي سماه الله مشرك قبل أن يسمع كلام الله وفي الثانية يصف الله المشركين وأهل الكتاب بالكفر قبل أن تأتيهم البينة
    .
    ويقول بن تيمية في مجموع الفتاوى ( 20/37-38)
    ______________________________

    (" وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه[,,,, إن أنتم إلا مفترون] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلها آخر .فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة ,فانه يشرك بربه و يعدل به ويجعل معه آلهة أخرى و يجعل له أنددا قبل الرسالة ,ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ,كذلك اسم الجهل و الجاهلية,يقال جاهلية و جهلا قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا,و التولي عن الطاعة كقوله:[ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى] فهذا لا يكون إلا بعد الرسول )ا هـ
    ______________
    فلعل القارئ الكريم قد تبين له الأن أن قول القائل ( أن المتلبس بالشرك أو الكفر الأكبر لا يكفر إلا بعد البيان ) أن هذا القول الذي ادعوه بل ارتقوا به إلى إدعاء القول بأن ذلك ( قاعدة ) هو كلام عار عن الحقيقة من وجوه متعددة:
    الوجه الأول
    ________

    - معارضته لصريح الأدلة الناصَّة على أن الكافر هو من تلبس بأعمال الكفر أو الشرك الأكبر ولو بكلمة أوبقت دنياه وآخرته , ولو لساعة من الزمان لم يندم عليها أو يتوب منها ، فهذا هو الكافر حقيقة فى المصطلح الشرعى وقواعد الاشتقاق حاكمة في ذلك ، من ناحية عدم جواز اشتقاق اسم فاعل حقيقة إلا لمن أتى بالصفة أو الفعل حقيقة وأما المجاز فلا يشتق منه اسم فاعل حقيقة ولا تصرف له أحكام الحقيقة .. وهكذا في سائر ما يتعلق باشتقاق اسم فاعل حقيقي ، فالزاني حقيقة هو من أتى بفعل الزنا وهكذا السارق والقاتل حقيقة.
    .
    والوجه الثاني
    _________

    - أن النصوص لم تفرق في اعتبار الكافر وحكمه , وسواء في ذلك من بلغته الدعوة أو لم تبلغه ، والفارق الوحيد بينهما أن من لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله قبل دعوته ، وأما من بلغته الدعوة فلا يشترط في قتاله ذلك ، وقد سبق بيان أدلة ذلك وأقوال العلماء في هذا الشأن على النحو الواضح الجلي ، ولم يقل أحد من أهل العلم أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة ليس بكافرا أو يتوقف تكفيره على البلاغ أو البيان , بل جعلوا المرتد في حكم الكافر الذي بلغته الدعوة فلم يتوقف حكمه أيضا على البيان.
    .
    الوجه الثالث
    ________

    - أن الحجة هي ما أنزل الله به كتابه وما أرسل به رسوله ( فهي الكتاب والسنة ) وما يقرره الكتاب والسنه هو الأصول وهو القواعد الأساسية للدين وأي قاعدة لم يقررها الكتاب والسنة فليست بقاعدة ، وكل أصل لم يقل به الكتاب والسنة فليس بأصل ، فما سبق بيانه من أدلة ونصوص دالة على دعوة الكافر قبل قتاله - ولم يفرق في ذلك بين من بلغته الدعوة ومن لم تبلغه حسبما دلت عليه النصوص وشرحه أهل العلم في مصنفاتهم وأن الكافر كافر في الحالتين ، ولم يتوقف حكمه أو القول بكفره على بيان من أحد , فذلك هو ماجاءت به النصوص ودلت عليه الآثار وأقوال أهل العلم ، فذلك هو القاعدة وليست القاعدة ما يخالف النصوص والأثار ،
    قال ابن القيم رحمه الله: أما أن نقعد قاعدة ونقول: هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة ، فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد أ.هـ
    ولذا فإن قول القائل: أن من تلبس بالكفر الأكبر أو الشرك لايحكم بكفره حتى يبين له , من أبطل الباطل فإن المتلبس بالشرك هو المشرك , والمتلبس بالكفر هو الكافر , فإن الشرك من صناعة المشرك .
    قال تعالى: { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات: 95 ]. وقال تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } [ النجم: 23 ].

    والقول بعدم تكفير من أتى بالشرك أو الكفر الأكبر , قول محدث مردود باطل معارض للنصوص الكثيرة الصريحة والقاطعة والمنتشرة في نصوص القرآن والسنة ، فأين في القرآن والسنه أن فاعل الكفر لا يكفر إلا بعد البيان ، وقد قال تعالى: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } التوبة. فقوله {حتى يسمع كلام الله } هو البيان ، وقوله { أحد من المشركين } هو الحكم الثابت لهذا المستحق للبيان ، ولم يرد بالنص خلاف ما ذكرنا من أن الذي لم تبلغه الدعوة كافر لا يجوز قتله , وليس ما ادعاه أهل التحريف من القول بعدم جواز القول بكفره حتى يبين له وادعوا أن ذلك قاعدة ، وهي من أبطل ما تكون ويكفي ما فيها من الشك في كفر أهل الكفر والمرتدين أو تصحيح عقائدهم الشركية أو عدم تكفير من قطعت النصوص بكفرهم وما فى ذلك من الرضا بكفرهم ، وما في ذلك كله من مناقضة لأحكام الولاء والبراء الواجبة وعنصر المفاصلة مع أهل الشرك الذي هو أحد أخطر معالم عقيدة التوحيد لدى أهل الإسلام ومضمون ما أوجبته شهادة ( لا إله إلا الله ) وتضمنته.
    ثم إن القول بعدم تكفير فاعل الكفر الأكبر أو الشرك إلا بعد البيان والتبيين له , هو قول يحتاج إلى وقفة مع القائل من حيث:
    - أن البيان والتبيين إن قصد به بلاغ الرسالة وأداء الأمانه وحجة الله تعالى على عباده ، فقد كان ذلك على أبلغ ما يكون البيان والتبيين ، حتى أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد قال
    ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ). وبالتالي فإن التلبس بأعمال الشرك الأكبر أو الكفر هو مخالفة صارخة لما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم وبلغه , ومناقضة لما أنزل به الكتاب من وجوب توحيد الله عز وجل والنهي عن الشرك به شيئا ، فاستحق صاحب ذلك الفعل الشركي أو الكفري أن ينسب إلى هذا الفعل الذي أتي به مناقضاً لأصل دينه وما التزمه من شهادة التوحيد التي تعد عهداً وميثاقا أن يوحد الله تعالى ولايشرك به شيئا ، ثم عاد ليشرك به مالم ينزل به سلطانا فصار من أولئك الذين قال الله فيهم:
    { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ البقرة: 27 ].

    • وأما إن قيل أن المقصود بالبيان والتبيين هو أقوال العلماء بحيث يقال أن فاعل الشرك أو الكفر الأكبر لا يحكم بكفره حتى يبين له العلماء حكم ذلك ، فإن هذا الادعاء فيه ما فيه من الفساد والبطلان ما لا يخفى على كل عاقل إنسان فضلاً أن يكون منسوبا إلى أهل العلم والبيان وذلك للآتي: أن قائل هذا الادعاء يقر بكون الفعل ذاته المخالف هو من الكفر فعلاً أو من الشرك الأكبر ولا يعد الفعل كذلك حقيقة إلا إذا كان فيه ما يناقض أركان الإيمان الأساسية من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر أو يناقض أركان التوحيد الأساسية من توحيد الربوبية أو الإلهية ، ولأن تخلف ركن من أركان أي عبادة - عامة - هو في ميزان الشرع الحنيف بطلان لهذه العبادة فلا تصح عبادة مع تخلف ركن من أركانها الأساسية, كالصلاة تبطل إذا تخلف عنها أي ركن من أركانها الرئيسية مع القدرة ، وذلك من المعلوم من الدين بالضرورة وهكذا سائر العبادات ، والتوحيد أجل عبادة على الإطلاق لا يمكن القول بصحته مع تخلف ركن من أركان التوحيد أو مناقضته بل يبطل ادعاء التوحيد بذلك ويثبت في حق الشخص الحكم بخلافه ( أي الحكم بكفره ) وانتفاء الحكم بالتوحيد عنه مع هذا التخلف لشيء من أركانه أو التلبس بما يناقض هذه الأركان ويثبت في حقه الحكم بالكفر لذلك , شاء أم أبى ، لأن الأحكام في مثل ذلك لا تتوقف على رضا الشخص أو عدم رضاه ، فمن ارتكب الشرك مشرك شاء أم أبى ، كما أن من ارتكب القتل قاتل شاء أم أبي ، ومن ارتكب الزنى زان شاء أم أبي وهكذا
    ( وهذا مقتضى قواعد الاشتقاق لغة وشرعا ) وعلى هذا فإذا أقر المدعي بهذه القاعدة المفتراة ( بعدم تكفير فاعل الكفر إلا بعد البيان ) نقول إذا أقر هذا المدعي بأن الفعل الصادر من هذا الشخص هو من الكفر أو الشرك الأكبر المخرج من الملة ، فقد أقر شرعا أن أركان التوحيد عند هذا الشخص قد وقع بها الخلل مما يبطل ادعائه للتوحيد شاء أم أبى وصار من أهل الشرك بهذا ، وسواء جاءه بعد ذلك البيان من آخرين أو لم يأت ، وهذا بالضبط هو ما نصَّت عليه الآيات في محكم التنزيل كقوله تعالى: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف: 103/105 ].

    قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات: هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود ، وقوله: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } أي عملوا أعمالاً باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون ، وقوله: { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه } أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقامها على وحدانيته وصدق رسله وكذبوا بالدار الآخرة أ.هـ وهؤلاء بالضبط أيضا ممن قال الله فيهم: { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [ الأعراف: 30 ].
    قال ابن كثير رحمه الله: قال ابن جرير:
    وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها ، لأنه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق ، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامها في هذه الآية أ.هـ
    .
    الوجه السابع -
    _________

    أن هذا الشخص فاعل الشرك أو الكفر الأكبر , والذي ناقض ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك ، نقول: إذا قيل أنه لا يكفر لمجرد ذلك حتي يبين له من أحد العلماء ، فإذا خالف بعد هذا البيان يكفر. نقول: أن هذا القول فيه من الفساد أيضا ما لا يخفى ، إذ كيف يقال عن مثل هذا الشخص أنه لا يكفر بمخالفة النص ثم يقال بكفره إذا خالف بيان أحد العلماء ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، إن الفعل لا يعد مخالفة في ميزان الشريعة إلا إذا خالف ما أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه لا لمخالفة قول عالم من العلماء ، إن الحجة القائمة لله عز وجل على عباده أجمعين فيما أنزل به كتابه وأرسل به رسوله , وليست في قول أحد من الناس سوى ذلك كائنا من كان ، إن الأحكام الشرعية في الإسلام تثبت لمرتكب ما نهى الله تعالى عنه ونهى عنه رسوله صلي الله عليه وسلم وليس لمرتكب ما نهى عنه واحد من العلماء. أن القائل بعدم تكفير مرتكب الشرك الأكبر إلا بعد البيان جعل من بيان أحد الناس عالماً أو غيره هو الذي تدور عليه الأحكام إثباتا ونفيا ، وذلك من التقنص بمنزلة القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين التي عليها وبها أصول الثواب والعقاب , وبهما يعرف الصحيح أو الباطل من الأعمال - عبادات أو معاملات - وليس على قول أحد من الناس كائناً من كان ، وقد قال تعالى وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ الحجرات: 1/2 ].
    وها هو الإمام مالك ينقل عنه قوله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ،فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به , ومالم يوافق الكتاب والسنه فاتركوه أ.هـ
    وهذا مبدأ عند عامة أئمة السلف وليس عند الإمام مالك وحده ، وقد تكاثرت أقوالهم في ذلك. فكيف توقف أحكام القرآن والسنة الصحيحة الصريحة القاطعة على بيان من يعرض كلامه على القرآن والسنة ذاتهما ليتبين صحة قوله من عدمه ، هذا مما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، فإذا علمنا أن القاعدة الشرعية تقضي بأن ( لا اجتهاد مع النص ) أي الصريح الواضح ، تبين للقارئ الكريم أن هذا القول المدعي من ( عدم تكفير فاعل كذا وكذا حتى يبين له ) قد يتعلق بالمسائل الخفية من الأحكام الشرعية التي يرد عليها الشبهة كشأن موضوع تأويل الصفات أو تعريف الإيمان الذي يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي , وهي جميعها مما يتعلق بالسنن لا بأصل الدين
    ( وهو توحيد رب العالمين ، والبعد عما يناقضه من أعمال الشرك أو الكفر الأكبر المخرج من الملة ) وأما هذه السنن التي قد يرد عليها نوعاً من الشبهات والمتشابهات فهي التي تدرس في مصنفات مذهب أهل السنة والجماعة ، وهذا النوع من العلم الشرعي مرتبة تلي مرتبة التوحيد كأصل هذا الدين - وهو شأن السنن دائما من حيث كونها تأتي في مرتبة تالية للأصل ,

    وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن قول القائل ( أن مرتكب الكفر لا يكفر إلا بعد البيان أو بعد إقامة الحجة عليه أو مثل هذا ) هو من الأقوال العارية عن الصحة وعن الحق ، والحقيقة فيما يتعلق بموضوع توحيد رب العالمين بما يتضمنه من توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية , وأن مجال عمل هذا القول ( إن صح اعتباره ولا يكاد) في حدود المعاني التي موضع شبهة أو يرد عليها الشبهة ، إما لظنية الدليل من حيث الدلالة (كشأن الكيف في الصفات ) أو كشأن تعريف الإيمان لغة وشرعا ) أو لكون الدليل يرد عليه الشبهة من حيث الثبوت ، وجميع ذلك لا علاقة له بأحكام التوحيد كأصل هذا الدين العظيم وما يناقضه من شرك لما يتمتع به هذا الأصل من أدله هي أعلي ما تكون من الأحكام والقطعية فلا تقبل الشبهة ولا تعارض بشبهة ولا تقبل التأويل ولا تعارض بتأويل ولا تقبل الإجتهاد ولا تعارض باجتهاد )شُــــــــــــبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق