الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

فان قيل كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق ؟

قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.[الأعراف 172 – 174]

قال البغوي رحمه الله :-



ـــــــــــــــــــ

"…. فان قيل كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق ؟ قيل :- قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا ، فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة . قوله تعالى أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ يقول :- إنما أخذ الميثاق عليكم لئلا تقولوا أيها المشركون إنما أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم ، أي كنا أتباعاً لهم فاقتدينا بهم . فتجعلوا هذا عذراً لأنفسكم وتقولوا :- أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين ؟ فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله - تعالى- بأخذ الميثاق على التوحيد .وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ أي نبين الآيات ليتدبرها العباد . وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . من الكفر إلى التوحيد . " اهـ

وقال ابن القيم:
ــــــــــــــــــــــ

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيته إقراراً تقوم عليهم به الحجة ، وهذا إنما هو الإقرار الذي احتج به عليهم على ألسنة رسله ، كقوله تعالى : قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ (إبراهيم :10) … وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (لقمان :25) ، قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (المؤمنون :84-85). ونظائر ذلك كثيرة ، يحتج عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربهم وفاطرهم ويدعوهم بهذا الإقرار إلى عبادته وحده وألا يشركوا به شيئاً ، هذه طريقة القرآن ، ومن ذلك هذه الآية التي في (الأعراف) وهي قوله ( وإذ أخذ ربك …) ولهذا قال في آخرها ( أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين …) فاحتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته على بطلان شركهم وعبادة غيره ، وألا يعتذروا إما بالغفلة عن الحق وإما بالتقليد في الباطل ، فان الضلال له سببان : - إما غفلة عن الحق وإما تقليد أهل الضلال ."
وقال في ( ص 562) فهو سبحانه يقول :- أذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء فخلقوا حين ولدوا على الفطرة مقرين بالخالق شاهدين على أنفسهم بأن الله ربهم ، فهذا الإقرار حجة عليهم يوم القيامة... ( أن تقولوا ) أي : كراهية أن تقولوا أو لئلا تقولوا ( إنا كنا عن هذا غافلين ) أي : عن هذا الإقرار لله بالربوبية ، وعلى نفوسنا بالعبودية ( أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ) فذكر سبحانه لهم حجتين يدفعهما هذا الإشهاد :- إحداهما أن يقولوا :- إنا كنا عن هذا غافلين ، فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته ، وذلك يتضمن حجة الله في إبطال التعطيل وأن القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل .
والثاني : - أن يقولوا :- ( إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) وهم آباؤنا المشركون : أي أفتعاقبنا بذنوب غيرنا ؟ فانه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم ، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ، ولهذا كان أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة ، ولم يكن في فِطَرهم وعقولهم ما يناقض ذلك ، قالوا : نحن معذورون وآباؤنا الذين أشركوا ، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم ، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم . فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم ، كان معهم ما يبين به بطلان هذا الشرك ، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم . فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية الفعلية السابقة لهذه العادة الطارئة ، وكانت الفطرة الموجبة للإسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها ، وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول ، فانه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا . وهذا لا يناقض قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) فان الرسول يدعو إلى التوحيد ، ولكن الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع ( بياض في الأصل، والسياق يقتضي وضع ( وإلا ) لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن بأن الله ربهم ، ومعرفتهم أمر لازم لكل بني آدم ، به تقوم حجة الله في تصديق رسله ، فلا يمكن لأحد أن يقول يوم القيامة : إني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لأبي المشرك دوني لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له ، فلم يكن معذوراً في التعطيل والإشراك ، بل قام به ما يستحق به العذاب . ثم إن الله لكمال رحمته وإحسانه - لا يعذب أحداً إلا بعد إرسال الرسول إليه ، وان كان فاعلا لما يستحق به الذم والعقاب ، فلله على عبده حجتان قد أعدهما عليه لا يعذبه إلا بعد قيامهما :- إحداهما :-ما فطره وخلقه عليه من الإقرار بأنه ربه ومليكه وفاطره ، وحقه عليه لازم. والثاني :- إرسال رسله إليه بتفصيل ذلك وتقريره وتكميله ، فيقوم عليه شاهد الفطرة والشرعة ويقر على نفسه بأنه كان كافراً .كما قال تعالى (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين )(الأنعام :130).فلم ينفذ عليه الحكم إلا بعد إقرار وشاهدين،وهذا غاية العدل."(أحكام أهل الذمة ج2 ص523 – 557)
وقال ابن تيمية :
ــــــــــــــــــــــــ

" الحمد لله،أما قوله :(كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فالصواب أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها،وهي فطرة الإسلام،وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال:( ألست بربكم قالوا بلى ( وهي:- السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة. فان حقيقة (الإسلام):- أن يستسلم لله لا لغيره،وهو معنى لا اله إلا الله.وقد ضرب رسول الله مثلا لذلك فقال:(كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟) بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن ، وأن العيب حادث طارئ . وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : - قال رسول الله فيما يرويه عن الله) إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ) ( إلى أن قال ) ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل ،فان الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً،ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً.وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع :- هي فطرة الله التي فطر الناس عليها ." اهـ (مجموع الفتاوى ج4 ص 245)

أقول :ونحن نعلم يقيناً أن شرك جماهير اليهود والنصارى والمجوس إنما هو شرك جهل وتقليد , ولم يعذروا بذلك , وإنما أثبت حكم الشرك لهم , ولأن غير ذلك معناه إثبات حكم الإسلام والتوحيد لا محالة ،وهذا باطل جملة ومن حيث الأصل.
فصح أن من خرج من التوحيد وتلبس بالشرك , قد خرج من الدين الحق إلى دين الشرك ، جهل أو علم , عاند أو لم يعاند , قلد أو تابع .
قال صلى الله عليه وسلم : » يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أ كنت تفتدي به ؟ قال ؛ فيقول ؛ نعم , فيقول له المولى :" قد أردت منك ما هو أهون من هذا , قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي «. رواه مسلم.
منقول

قلت بعد كل هذا هل بقي لكم أيها المرجئة ما تحتجون به من كلام العلماء ،لاحجة لكم عودوا إلى مذهب السلف قبل فوات الأوان ،فاليوم عمل و لا حساب وغدا حساب ولا عمل،أما أنت أيها السلفي فلك أن تفرح بما حباك الله به من العلم ونسأل الله لك ولنا الثبات إلى الممات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق